بسم الله الرحمن الرحيم
1- اتباع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ، ودليل ذلك :
قال الله تعالى : { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ آل عمران31 ] .
ولهذا جاء التحذير من مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم في النصوص الشرعية ، تارة بنفي الإيمان ، وتارة بدخول النار والعياذ بالله :
قال تعالى : { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } [ النساء65 ] .
أقسم الله تعالى بنفسه الكريمة أن هؤلاء لا يؤمنون حقيقة حتى يجعلوك حكمًا فيما وقع بينهم من نزاع في حياتك , ويتحاكموا إلى سنتك بعد مماتك , ثم لا يجدوا في أنفسهم ضيقًا مما انتهى إليه حكمك , وينقادوا مع ذلك انقيادًا تاماً , فالحكم بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة في كل شأن من شؤون الحياة من صميم الإيمان مع الرضا والتسليم .
قال ابن كثير رحمه الله 2 / 349 : " يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة : أنه لا يؤمن أحد حتى يُحَكِّم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور ، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطناً وظاهراً ؛ وإذا حكموك ، فإنهم يطيعونك في بواطنهم ، فلا يجدون في أنفسهم حرجاً مما حكمت به ، وينقادون له في الظاهر والباطن ، فيسلمون لذلك تسليماً كلياً من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة ، كما ورد في الحديث : " والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به " [ رواه البغوي في شرح السنة وصححه النووي رحمه الله ، وضعفه الألباني رحمه الله ] . عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : " وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ ، يَهُودِيٌّ وَلاَ نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ ، إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ " [ رواه مسلم ] .
2- التقوى والإنفاق الخفي ، ودليل ذلك :
قوله تعالى : { بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ } [ آل عمران76 ] .
وعن سَعْدُ بْنُ أَبِى وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ " [ رواه مسلم ] .
فالتقوى من أعظم ما يتواصى به الموصون ، وأفضل ما يُذكر به المسلمون ، كيف لا يكون ذلك وقد وصانا به ربنا جل في علاه ، في قوله سبحانه : { وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيّاً حَمِيداً } [ النساء131 ] .
ومعنى التقوى : أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية ، وذلك بفعل الطاعات ، وترك المعاصي والمنهيات .
هذا وصف موجز يبين معنى التقوى حقيقة ، فهل نحن متقون ؟
هذا ما سوف يجيب به كل إنسان عن نفسه ، بينه وبينها لا يعلم أحد مخفاها إلا خالقها ومولاها ، لأنه سبحانه وتعالى مطلع على مكنون الضمائر ، وما تلمحه البصائر ، فاللهم اجعلنا من عبادك المتقين ، يا رب العالمين .
3- ثلاثة أعمال يحب الله أصحابها ، ودليل ذلك :
عن أَبَي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ : قال رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " ثَلاَثَةٌ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ ، وَثَلاَثَةٌ يَشْنَؤُهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ " ، قَالَ : قُلْتُ : فَمَنْ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يُحِبُّ اللَّهُ ؟ قَالَ : " الرَّجُلُ يَلْقَى الْعَدُوَّ فِي الْفِئَةِ ، فَيَنْصِبُ لَهُمْ نَحْرَهُ حَتَّى يُقْتَلَ أَوْ يُفْتَحَ لأَصْحَابِهِ ، وَالْقَوْمُ يُسَافِرُونَ فَيَطُولُ سَرَاهُمْ ، حَتَّى يُحِبُّوا أَنْ يَمَسُّوا الأَرْضَ ، فَيَنْزِلُونَ فَيَتَنَحَّى أَحَدُهُمْ فَيُصَلِّى حَتَّى يُوقِظَهُمْ لِرَحِيلِهِمْ ، وَالرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ الْجَارُ يُؤْذِيهِ جِوَارُهُ ، فَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُ حَتَّى يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا مَوْتٌ أَوْ ظَعْنٌ " ، قُلْتُ : وَمَنْ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يَشْنَؤُهُمُ اللَّهُ ؟ قَالَ : " التَّاجِرُ الْحَلاَّفُ - أَوْ قَالَ الْبَائِعُ الْحَلاَّفُ - وَالْبَخِيلُ الْمَنَّانُ ، وَالْفَقِيرُ الْمُخْتَالُ " [ رواه أحمد ، وصححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع برقم 3074 ] .
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاثة يحبهم الله ويضحك إليهم ويستبشر بهم : الذي إذا انكشفت فئة ، قاتل وراءها بنفسه لله عز وجل ، فإما أن يُقتل ، وإما أن ينصره الله عز وجل ويكفيه ، فيقول : انظروا إلى عبدي هذا كيف صبر لي بنفسه ؟ والذي له امرأة حسنة ، وفراش لين حسن ، فيقوم من الليل ، فيقول : يذر شهوته ويذكرني ، ولو شاء رقد ، والذي إذا كان في سفر ، وكان معه ركب فسهروا ، ثم هجعوا ، فقام من السحر في ضراء وسراء " [ رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن ، وهو في صحيح الترغيب والترهيب ، وفي الصحيحة ج7 ] .
4- صفات يحب الله أهلها ، ودليل ذلك :
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ رضي الله عنه ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ : " مِنَ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ ، وَمِنْهَا مَا يُبْغِضُ اللَّهُ ، فَأَمَّا الَّتِي يُحِبُّهَا اللَّهُ : فَالْغَيْرَةُ فِي الرِّيبَةِ ، وَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يُبْغِضُهَا اللَّهُ ، فَالْغَيْرَةُ فِي غَيْرِ رِيبَةٍ ، وَإِنَّ مِنَ الْخُيَلاَءِ مَا يُبْغِضُ اللَّهُ ، وَمِنْهَا مَا يُحِبُّ اللَّهُ ، فَأَمَّا الْخُيَلاَءُ الَّتِي يُحِبُّ اللَّهُ ، فَاخْتِيَالُ الرَّجُلِ نَفْسَهُ عِنْدَ الْقِتَالِ ، وَاخْتِيَالُهُ عِنْدَ الصَّدَقَةِ ، وَأَمَّا الَّتِي يُبْغِضُ اللَّهُ ، فَاخْتِيَالُهُ فِي الْبَغْيِ ، وفي رواية : " في الفخر " [ أخرجه أبو داود وأحمد وحسنه الألباني رحمه الله في الإرواء 7/58 ] .
فالغيرة في الريبة أي يكون في مواضع التهم والشك والتردد بحيث يمكن اتهامها فيه كما كانت زوجته أو أمته تدخل على أجنبي أو يدخل أجنبي عليها ويجري بينهما مزاح وانبساط ، وأما إذا لم يكن كذلك فهو من ظن السوء الذي نهينا عنه .
وقال ابن حجر رحمه الله في الفتح : " وهذا التفصيل يتمحض في حق الرجال ، لضرورة امتناع اجتماع زوجين للمرأة بطريق الحل ، وأما المرأة فحيث غارت من زوجها في ارتكاب محرم ، إما بالزنا مثلاً ، وإما بنقص حقها وجوره عليها لضرتها وإيثارها عليها ، فإذا تحققت ذلك أو ظهرت القرائن فيه ، فهي غيرة مشروعة ، فلو وقع ذلك بمجرد التوهم عن غير دليل ، فهي الغيرة في غيرة ريبة ، وأما إذا كان الزوج مقسطاً عادلاً ، وأدى لكل من الضرتين حقها ، فالغيرة منهما إن كانت لما في الطباع البشرية التي لم يسلم منها أحد من النساء ، فتعذر فيها ما لم تتجاوز إلى ما يحرم عليها من قول أو فعل ، وعلى هذا يحمل ما جاء عن السلف الصالح من النساء في ذلك " [ 9/326 ] .
5- الإحسان والمحسنين ، ودليل ذلك :
قال تعالى : { وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [ البقرة195 ] .
الإحسان منزلة علية ، وخير مطية يمتطيها العبد للصول إلى كمال العبوديات لربه عز وجل ، فالإسلام منزلة ، ثم يليه الإيمان ، ثم الإحسان ، وهو أعلى شأناً من الإسلام والإيمان .
كيف وصل الإحسان بصاحبه لهذه الدرجة ، تعالى وتأمل لتعرف ذلك .
عَنْ عُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ : بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ ، لاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ ، وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلاَمِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " الإِسْلاَمُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ ، وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً " قَالَ : صَدَقْتَ ، قَالَ : فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ ، قَالَ : فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ ؟ قَالَ : " أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ ، وَمَلاَئِكَتِهِ ، وَكُتُبِهِ ، وَرُسُلِهِ ، وَالْيَوْمِ الآخِرِ ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ " ، قَالَ : صَدَقْتَ ، قَالَ : فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِحْسَانِ ؟ قَالَ : " أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ " ، قَالَ : فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ ؟ قَالَ : " مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ " ، قَالَ : فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا ، قَالَ : " أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا ، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ " ، قَالَ : ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا ثُمَّ قَالَ لِي : " يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ ؟ " قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : " فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ " [ رواه البخاري من حديث أبي هريرة ، وهذا لفظ مسلم ] .
6- التوبة والتطهر ، ودليل ذلك :
قوله تعالى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } [ البقرة222 ] .
ويسألونك عن الحيض _ وهو الدم الذي يسيل من أرحام النساء جِبِلَّة في أوقات مخصوصة _ فهذا الدم أذى مستقذر يضر من يَقْرَبُه , فاجتنبوا جماع النساء مدة الحيض حتى ينقطع الدم , فإذا انقطع الدم , واغتسلن , فجامعوهن في الموضع الذي أحلَّه الله لكم , وهو القبل لا الدبر ، إن الله يحب عباده المكثرين من الاستغفار والتوبة , ويحب عباده المتطهرين الذين يبتعدون عن الفواحش والأقذار .